الخميس، 10 سبتمبر 2009

الخميس، 10 سبتمبر 2009

ملحد وإمام مسجد في أمريكا وجهاً لوجه

نعم ،الحوار هو الحل في عالم تحول الى قرية صغيرة يتواصل سكانها بسرعة طرف العين .وقد يكون سبب محنتنا كعرب ومسلمين اليوم هو غياب صوتنا عن الساحة الإعلامية والفكرية، وعدم فرض وجودنا عن طريق نظرية الحوار والجدال التي أوصى بها القرآن"وجادلهم بالتي هي أحسن". ربما أنه قد حان الوقت للتركيز على توجيه خطابنا للآخر الذي قد يكرهنا جهلا منه بنا أو نتيجة تشويه الإعلام لصورتنا كعرب ومسلمين. لكن العيب يبقى فينا لأننا نفتقر الى ثقافة الإستماع للآخر،ولأن أصواتنا لم تغادر حناجرنا بعد،ولأننا نكتم ونطبق صدى كل من يعارض مواقفنا سواء الفكرية أو الدينية، ونحكم عليه قبل الإستماع اليه. بل اننا قد تعودنا التحدث الى أنفسنا، والإصغاء للصوت الواحد الذي يتفق مع مشاعرنا ويطيب خواطرنا. قد تكون ثقافتنا هاته حصيلة رواسب علقت بعقولنا وصدورنا عن طريق التربية والتعليم والمجتمع، وهاجرت معنا الى الولايات المتحدة . لقد حان الوقت لكي نخرج من ذاتنا نفسها، وأن نقوم بقراءة القرآن وتحليل السنة النبوية بمنطق معاصر موجه لمخاطبة الآخر خارج أبواب القلوب والعقول الموصدة ليتردد صدى أصواتنا وراء جدران المساجد. هذا الآخر، الذي قد لايؤمن بالضرورة بما نؤمن به، لكنه مستعد للحوار والإستماع.

وترسيخا منا لمبدأ الحوار، اليكم اللقاء الكامل الذي أجري بين إمام أهم مركز إسلامي في كولورادو الشيخ عمار و ملحد تعرفت عليه آخر خبر مؤخرا. وهو حوار شبيه بمناظرة أبي حنيفة للذي سأل أين الله!!ولكنها مناظرة حديثة في عصرنا الحاضر في ولاية كولورادو رتبت لها آخر خبر مع أحد الملحدين الحقيقيين بعد أن تعرفت في جلسة خاصة على أفكاره، وطلبنا منه أن يقوم بزيارة مسجد اسلامي وكنيسة للدين المسيحي ومعبد يهودي. الهدف هو التعرف على تلك الديانات وكيفية نظرتها للإلحاد بشكل عام .

لنتذكر أن أول كلمة نزل بها القرآن الكريم هي "اقرأ" . فلتقرؤوا الحوار، ولتقرؤوه بقلوب وعقول مفتوحة تعشق الإختلاف وتهوى الإستماع وتتطلع الى الجمال ولاتحكم بالكفر أو الإيمان لأن تلك مهمة الهية وليست بالبشرية. فقد تزيدنا نظريات ملحد ايمانا وتشبثا بديننا، ونكتشف من خلالها زوايا غابت عن أنظارنا. وفي المقابل فإن أفكارنا واعتقاداتنا قد تزيد ملحدا تمسكا بأفكاره واقتناعا بمبادئه. ولانرى مشكلة في ذلك، لأننا كنا ومانزال أمة حضارة وتراث أغنت العالم أجمع وأنجبت من رحمها الغزالي وابن رشد والكندي والحلاج .

ننقل لكم هذه المناظرة المثيرة للإهتمام كما حصلت تماما. وهي موثقة ومسجلة لدينا في محاولة منا لتعريف و توضيح عقلية إمام مسجد أبي بكر الصديق بولاية كولورادو المستوعية و الواعية لما يدور حولها المتفتحة العارفة بالخالق عز وجل المتدبرة المتفكرة في ايات الله و الكون الواسع من حوله،ا وعقلية رينالدو مورا المعتنق لنظرية الإلحاد المقتنع بسمو العقل والمنطق ... نترككم للإستمتاع بجمالية اللحظة، لحظة يجلس فيها إمام وملحد وجها لوجه وقد علت الإبتسامة محياهما تحت ظل الحوار والتسامح الفكري... يالها من روعة !!


المُلحد: ما فهمكَ للإلحادِ؟

الإمام: أعتقد أن الكثير مِن الناسِ حين يقرون بإلحادهم ، فانهم بالدرجة الأولى ينتمون الى مذهب اللاأدريين. وليس لديهم دليل أَو معرفة كافية لإتِّخاذ القرار. الإلحاد إعتقاد بأنه ليس ثمة اله وهو فكرناتج عن عدم القدرة على اثبات وجود شيئا ما. من الصعب جداً تَقديم دليل حول شيء لاوجود له في العالم الملموس … لَستُ متأكّدا ماالذي يعْنيه الناس حين يَقُولونَ بأنّهم مُلحدون …

المُلحد:اذن فالإلحاد يعتبر مجرد اعتقاد آخر؟

الإمام: الأشخاص الذين يمتلكون ديانة ما، يعتقدون بأن لوجودنا غاية أسمى وأن لمانفعل معنى.اما بالنسبة للأشخاص الذين لايؤمنون أية ديانة ، فإنهم يعتقدون بأن الغاية الأوحد للحياة تكمن في العيش نفسه لاغير وبأن العالم وُجد هكذا دون أدنى غاية.

المُلحد:كيف تعرف مصطلح "الدين" بصورة عامة؟

الإمام:أنت شخصيا سوف تزورمساجدا اسلامية وكنائسا مسيحية ومعابدا يهودية . كل هذه الأماكن الدينية يجمعها قاسم مشترك ألا وهو الوجود الإلهي. يمكن أن أعرّف الدين كنظام اعتقاد شامل ومتكامل يؤمن بأن للحياة هدفا ساميا سعى الإنسان وراء البحث عنه وايجاده منذ مهد التاريخ وداخل كل المجتمعات الإنسانية. يبدو ان للأنسان رغبة جامحة في الكشف عن مغزى الحياة. بالتالي لن تجد مجتمعا بدون اعتقاد ديني في كل زمان ومكان.

المُلحد:داخل نظامكم الإعتقادي ، هل هناك قناعات وطوائف مختلفة ؟

الإمام:ثمة مقولة تؤكد: "كل ديانة تنقسم الى طوائف" ، والإسلام لايعد استثناء في هذا الاتجاه. لكن هناك مجموعتان رئيسيتان: المسلمون السنّة، قريبون من 90 % مِن المسلمين ، والمسلمون الشيعة . إن أردت يمكن التطرق بالتفصيل للفرق بين المجموعتين ، هذا يعتمد عليك !!

المُلحد:لا ، ليس هنالك حاجة لذلك . لماذا تعتقدون بوجود حياة بعد الموت؟

الإمام:اجل، نؤمن بذلك لأننا أمة الوحي. انه اعتقاد كوني . أُنزل الوحي على العديد من الرسل والأنبياء فأسسوا عدة ديانات. إذن فالمسألة كونية. وأعتقد أن السبب وراء ذلك أن كل مخلوق بشري يعتريه الشعور بأن للوجود معنى وغاية وأن نهاية العالم ليست كنهاية شريط سينمائي : الأشرار يفلحون والأخيار يخسرون . في أغلب الحالات ، العدالة لاتأخذ مجراها لذلك فان الناس يتطلعون دائما الى زمن عادل يجزى فيه الأبرياء أحسن الجزاء . هكذا يصبح للوجود معنى ....

المُلحد:أمقدر على الإنسان الإنتظار حتى الموت للحصول على العدالة ؟

الإمام: لَيسَ دائماً لكن في أغلب الأحيان … أَعْني في هذه البلادِ عِنْدَنا الكثير مِن الأمراضِ سببها السمنة أو الوزن الزائد ، بينما في أجزاء أخرى من العالم أطفال صغار ومواليد جدد يتضورون جوعا … هنالك الكثير مِن التباين والظلم.

على أية حال، تَعتقدُ أغلبية الناسِ بأنّ العالمَ مكان أخلاقي. شخصيا، لا أعتقد بأنّ هذا الاحساس المشترك بين الناس جاء بمحض الصدفةِ … تلك هي فطرة الله التي فطرالناس عليها … هو الذي جعلنا نبحث عن العدالةِ والقِيَمِ …

المُلحد:هل هذه الفكرة محصلة قناعة شخصية أم تم تلقينها اياك ؟

الإمام: هي نتيجة فَهْمي الخاصِ وبحثي عن حياتِي. نَتعلّمُ الأشياءَ مِن عائلاتِنا لَكنَّنا نَفْهمُها أنفسنا عن طريق عقولنا. العديد مِن الناسِ يَدّعونَ الإنتماء الى ديانة معينة لَكنَّهم لم يفكّروا قط في الموضوع أنفسهم.

المُلحد:كيف يصبح المرء مسلما؟

الإمام: نعم … لاعتناق الدين الإسلامي، تَجيءُ إلى مسجد أَو إلى مكان عام وتعلن الشهادة: "أَشْهدُ أن لاإله الا الله وأشهد أن محمدا رسول االله." ذلك يَعْني بأنّك تُؤمنُ بالإله الواحدِ الأحد وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، بعَمَل ذلك تدخل الإسلام. يَجِبُ أَنْ تكُونَ الشهادة بصورة علانية تقر فيها باتباع سبيل الدين وتعَلمِه على أفضل وجه.

كلنا نُؤمنُ بالسيد المسيح، لَكنَّنا نُؤمنُ بالسيد المسيح كنبي. نعتقد بأنّ أولئك الأنبياء والرسل بشر خصهم الله بالرسالةَ … لا نَستطيعُ عِبادَتهم … إننا لا نَعْبدُ محمدا ولا المسيح.

المُلحد:هل لله صورة في الإسلام ؟

الإمام: الله خَلقَ الكون، فليس بوسعك أَنْ تَضعَه في رمز أَو شكل. وماكان المسجد ليحتوي على صورةَ أَو رمز … تضم الكنيسة الصليب، وصورا للمسيح. لا يجوز فعل شيء مثل ذلك … الصورة ابتكار إنساني والله هو الخالق … لذلك نَختلفُ مع الكنيسةِ الكاثوليكيةِ نظرا لتجسيدهم لله وتمييزه باستعمال الرموز …

الناس يُريدونَ رسم صورة لاله مجسد بحيث يمكن لمسه والنظر المجرد اليه لكن الحقيقة أعظمُ من ذلك بكثير.أية مُحَاوَلَة لوَضْع الله في شكل معين تعد صدمة في نظري … يُمْكِنُك أَنْ تَصْرفَ كُلّ حياتكَ وكُلّ الخلود محاولا فَهْم الله، لكنك سَتَنتهي بإدْراك حقيقة الذات الإلهية والتي تكمن في المالانهاية. هو الله الذي لاتدركه العقول ولكن القلوب التي في الصدور … نَعْرفُ عنه عن طريق الوحي … الله مصدرُ كل شيء ايجابي …

المُلحد:هل تعتقد أن بامكان البشر استيعاب مفهوم " الله " يوما ما؟

الإمام: دائماً نَتعلّمُ أكثر فأكثر … وأنا مؤمن بالمستقبلِ. هذا الأمر سيكون من اختصاص العلومِ …حتى الآن، لم يكتمل نضج العقل البشري بعد... حين يكتمل النضج العلمي أكثر، سَنَكُونُ قادرين على دِراسَة الله بطريقة علمية … سوف يكون الأمر جزءا من الفهْم العلميِ وليس فقط كجزء مِنْ عِلْمِ الإجتماع … الدين جزء من علوم الفيزياءِ والأحياء وكُلّ العُلوم الأخرى. هناك تقريباً إجماع عالمي الآن حول أصلِ الكونِ …

المُلحد:هل تعني نظرية "الإنفجار العظيم" ؟

الإمام: نظرية "الإنفجار العظيم" هي التسمية التي تطلق على بداية تكون الكون خلال نقطة معينة من الزمن ...

المُلحد:إذن فأنتم تؤمنون بنظرية التطور؟

الإمام: نؤمن بنظرية التطور جزئيا . في الدين الإسلامي، وعلى خلاف المسيحيةِ، فإننا لا نشتَركُ في النزاعِ مَع العلماءِ. إنهم أناس يدرسون ظواهرا بعينها .... نحن نؤمن بأن الله خلق الكون ..... كيف خلقه ؟ لانعلم. الإجابة عن هذا السؤال تبقى من مهام العلم ...

المُلحد:إذن لو افترضنا أن العلماء توصلوا في يوم من الأيام الى تقديم الحجة والبرهان على عدم وجود الله ، هل ستتفق معهم حينذاك؟

الإمام: حَسناً، لا أعتقد أن بوسعهم اثباث أمر كهذا لأن العلم يتطرق الى الأشياء الملموسة والمجردة الخاضعة لمعايير الملاحظة والقياس....

المُلحد:الشيء الذي ينافي منطق الروحانيات ، صحيح؟

الإمام: تسلك الروحانيات سبيلا آخر في الدراسة والتعلم لكن العلم يستطيع أن يقدم العديد من الحقائق حول الكيفية التي يسير بها النظام الكوني . يُخبرُنا القرآن بأنّ الدلائل على وجود الله تكمن في الأفقِ نفسه. لذا فاستنادا للقرآنِ،بامكاننا رؤية الدليل حول الحق . و يُمْكِنُنا أيضاً أَنْ نَرى أدلة حول الحق في الروحِ الإنسانيةِ. نعتقد بأنّ الله قادر على أن يحيي و يميت ، أخرجنَا مِن لا شيءِ، الآن نحن هنا،الله قادر على أن يرجعنا إلى العدم ثانيةً وهو قادر على اعادة الخلق… بامكانه فعل ذلك … لكن الروحَ! كيف خُلقت ؟وكيف تَعْملُ؟ فاننا غير قادرين على إخْبارك ...

المُلحد:اذن أنتم تؤمنون بوجود الروح ؟

الإمام: أجل. الروح هي الجوهر... هل هي شيء مادي ؟ لاأعلم .

المُلحد:وماذا لواستطاع شخص ما أن يبرهن أن الروح شيء مادي طبيعي...؟

الإمام: هناك نظريات مختلفة. النظريةَ الأولى تعتبر الجسم والروح شيئان منفصلان …يمكن للناس دراسة هذه النظريات كيفما يشاؤون … لكننا نعتقد بأنّ هناك شيئا بداخل الجسد الإنساني سَيَدُومُ ما بعد الحياة الدنيوية …

المُلحد:ماالفرق بين الخير والشر؟

الإمام: الله خلق الإنسان .... الخير يتجسد في كل أمر ايجابي، منتج ، وتوسعي أما الشر فيتمثل في السلبي ، المحدود واللاتوسعي.

المُلحد:من خلال تجربتي الشخصية وجدت بأن الإلحاد في نظر المسيحية اعتقاد سلبي...

الإمام: لدينا مواقف وآراء مختلفة لكن ذلك لايعني أننا نمتلك الحقيقة المطلقة . الشخص الملحد لَيسَ بالضرورة شخصا عديم الأخلاق. أنْ تكُونَ مُلحدا لا يَعْني بأنّك عديم الأخلاق ، قاتل أَو لصّ لَكنني أَعتقدُ بأنّ هناك شيئا ما في روحِكَ، أو بداخل ضميرك يَبْحثُ عن قيمةِ الحياة والغرضِ منها …

المُلحد:ماهي الحرية في نظرك؟

الإمام: الحرية هي التشبث الحقيقي بالدين . في الدين الإسلامي، الفرد مطالب أخلاقيا بالتزام الخيارات الصحيحة وهذا هو مفهوم الحرية لدينا .. الحرية المُطلقة تعني بأنه ليس هناك فرق بين الخيارات الصحيحة أَو الخاطئة …

المُلحد:أين هي الحرية إذا كان المسلم مقيدا بالوحي ومغيبا عن استعمال العقل ؟

الإمام: يتم التوصل الى الحقيقة بواسطة سبيلين: الوحي والعقل. في النهايةِ، نحسم الأمر بعقولنا . المجتمع يعاقب الخيارات الخاطئة حين يتعلق الأمر بإلحاق الضرر بالآخر. كمسلم، أنت مطالب باحترام الضمير وبعدم اتباع الشهوات والهوى في التعامل مع الآخرين . رغم أننا نؤمن بحرية الخيار فإن لبعض الخيارات عواقب ونتائج. لايمكننا القول بأنك حر في الإختيار لكن حين تقوم بذلك فعليك أن تتحمل العواقب ....

المُلحد:ماهودور العائلة داخل نظامكم الديني؟

الإمام: يجب اتخاذ الحيطة والحذر قبل التخلي عن بعض القيم والعادات القديمة. نؤمن بأن العائلة وحدة مهمة داخل النظام الإجتماعي. الزواج هو الرابط الشرعي بين جنسي المرأة والرجل الذي يمنحهما الحق في تربية الأطفال تحت ظل القيم. العلاقات الأخرى لايمكنها القيام بهذه المهمة. كمخلوقات بشرية، وخلافا للمخلوقات الحيوانية، فإننا نبني مؤسسات .... الأسرة واحدة منها.

المُلحد: ماموقفكم من العلاقة الجنسية بين طرفين من جنس واحد أو مايسمى بالشذوذ الجنسي؟

الإمام: حسنا، العلاقة الجنسية الطبيعية يجب أن تكون بين طرفين من جنس مختلف.

المُلحد: إذن فالشذوذ الجنسي حرام في نظر الدين...

الإمام: نعم ... لاندين الأشخاص تبعا لأحاسيسهم لكن تبعا للخيارات التي يقومون بها. ليس للمرء خيارفي أن يصبح شاذا جنسيا أو مستقيما في علاقاته الجنسية. يجب أن تختار الصواب في علاقاتك مع الآخرين . العلاقات الجنسية يجب أن تكون داخل اطار منظم أسري كما ذكرنا من قبل . علاقتي بك مثلا لايمكن أن تكون جنسية...

المُلحد: لقد تحدثت الى قس مسيحي من قبل وطرحت عليه نفس السؤال فأجاب بكل بساطة أن الشذوذ أمر غير مقبول بتاتا.

الإمام: في عالم اليوم هناك متغيرات عديدة ، هناك أصوات تنادي بالمساواة والإعتراف بالشذوذ الجنسي. فيما قبل ، كانت للناس مكانتهم داخل المجتمع . لكن الآن وللأسف فقد تحطمت كل التقاليد والأعراف .الأفراد و العائلة والقبيلة والمدينة ، كلهم كانوايشتركون في نفس القيم والأخلاق . اليوم لاتوجد مرجعيات يمكن الرجوع اليها . معظم الخطابات في مجتمعاتنا اليوم تستغل الجنس بل إن حتى العلاقات الإنسانية يعتريها الجنس .

المُلحد:ماموقفكم من التلفزة والإعلام بصفة عامة؟

الإمام:الإسلام بصورة عامة وكما جاء على لسان القرآن يتميز بالدعوة وتبليغ الرسالة الى البشرية . إذن نحن مطالبون بتبليغ الرسالة. لذلك نستعمل كل أنواع الإعلام كوسيلة لتوصيل خطابنا الى الناس. وبما أننا نؤمن بحرية الخيار فإن الناس يجب أن يكونوا قادرين على اختيار الخطاب. موقفنا ايجابي اتجاه أي نظام اعلامي ينشر المعلومة ونود التعامل معه لتحقيق غاياتنا ونشر دعوتنا.

المُلحد:هَلْ تَعتقدُ بأنّ أجهزةَ الإعلام في الوقت الحاضر محقة في مُحَاولَة توجيه الناس وتعليمهم أم أنها بالعكس تفسدهم وتدجنهم ؟

الإمام:أكثر الأديان تنتقد الكثير مِن القِيَمِ السيئة. الترفيه بدون محتوى تثقيفي يُمكنُ أَنْ يكُونَ أحياناً أمرا سلبيا جداً مادمنا نُؤمن بالقِيَمِ المهمة وتلقين الناس تلك القِيَم.

أمريكا نظام سوق حرّة ولَيسَ بنظام حكومي. لذلك هناك سيطرة محدودة على القِيَمِ السيئةِ. لقد ساعد التلفزيون بشكل تدريجي على إضْعاف تلك القِيَمِ. لذا بالطبع، نحن منتقدون جداً لذلك.

المُلحد:إنّ أجهزةَ الإعلام تتلاعب بضمائر المتلقين حيث لاتكتفي بإشهار منتوجات الشركات فقط لكنها أيضاً ترسم طريقة جديدة للحياة. بكلمات أخرى، أجهزة الإعلام لا تزرع قِيَما جيدةَ فينا…

الإمام:حين تُشاهد التلفزيونَ التجاري اليوم، فإنك أساساً تَتعلّمُ أسلوب حياة المستهلكِ الماديِ. بل ان الإستهلاك نفسه بعيد المنال بالنسبة لأغلبيةِ الناس. إنّ البرامج التلفزيونية جزء من ثقافة المستهلكِ. ثقافة الشركة نفسها المعلنة للمنتوج تَمْنعُ التوزيعِ العادلِ للموارد. المفارقة تكمن في أن الناس في أي مكان بالعالم بامكانهم رؤية المنتوج دون القدرة على الحصول عليه . مانراه اليوم هو عبارة عن فاقة اقتصادية خلقها الإنسان نفسه....

المُلحد: بالتالي يحلم الناس بمالايستطيعون اقتناءه....

الإمام:اذا ذهبت لزيارة البلدان الفقيرة، فإنك سترى أن ساكنيها يعلمون عن نجوم الأفلام والحياة في أمريكا كما لو أنهم يتواجدون داخل أمريكا نفسها...

المُلحد:هل هناك من حل لهذه المعضلة؟

الإمام:للإسلام نظرة حول الطريقة التي يجب أن يسير عليها العالم. نؤمن بعالم دون حدود ، دون حواجز تقيد تنقل الأفراد . كما نؤمن بالتوزيع العادل للثروات والموارد. حين نصبح قادرين على تطبيق هذه النظرية الشمولية، سيبرز للوجود المجتمع الفاضل أو اليوطوبيا ، عالم متوازن يتيح للأفراد تحقيق أحلامهم وأهدافهم . العالم مليء بالخيرات التي يمكن أن نتقاسمها. ولاينبغي اقامة ازدهار أمة على حساب إفشال أخرى....

المُلحد:هل يمكن للدين أن يلعب دور الترفيه بدلا من التلفزة؟

الإمام:لا، لكن يمكن أن يُستعمل التلفزيون كأداة لنشر رسالةَ بديلةَ. إذا قام مسجدي بإنتاج برنامجك التلفزيوني، فإن الأمر سوف يكون مملا جدا لامحالة !! يجب أن يفتح الإعلام ابوابه لنا حتى نقوم بتزويد الناس بالبديل . الناس لَيسوا أغبياء، يُدركونَ بأنّهم يببيعونَهم الكثير مِنْ المادةِ المُزيَّفة. يعلمون بوجود فراغ في الخطاب الإعلامي لذلك يبحثون عن البديل. المعضلة أن الناس لايعلمون الكثير عن رسالتِنا لأن رسالتَنا تُحرّفُ في أجهزةِ الإعلام اليوم. رؤيتنا لاتشمل دول الشرقِ الأوسط فحسب بل هي رؤية عالمية تشمل كل الأمم. لأننا نؤمن بأن للفرد الحرية في أن يتنقل حيثما شاء وأن يعمل أينما أراد وأن يحصل على العلم دون قيود أو تحديدات.... إنها حقوق انسانية أساسية قد تم إنكارها . إزالة الحدود الوهمية أمام الناس من أهم بنود رسالة ديننا الحنيف .

المُلحد:هل الدين طريقة أخرى للسيطرة على الشعوب أم مصدرلإرادة حرة ؟

الإمام:الإسلام ليس بكنيسة. ليس بالإسلام تدرج قيادي ينجب طبقية دينية رسمية . في المسيحية، لديهم البابا والفاتيكان ونظام تحكم وسيطرة. أما في الإسلام ، فلدينا علماء . لانسيطر على أي شخص ولانحاول التأثير على الحكومة. ليس من مهام المسلم السيطرة على الحكومة كما هو الشأن بالنسبة لإيران. نؤمن بإصلاح الحكومات حتى تقوم بسلك السبيل الصحيح.

المُلحد:هَل بإمكان الناس التعايش والنضال من أجل نفس الحقوقِ رغم انتمائهم لثقافات واصولِ وطنية مختلفة ؟

الإمام:النقاط المشتركةً عِنْدَنا أكثر من الإختلافات. كمخلوقات بشرية، فإننا نتقاسم نفس الحاجاتِ والرغبات. أحياناً، نعارض بعضنا البعض لأسبابِ معيّنةِ. لن نتفق دائماً بنسبة 100 %. على أي حال، بامكان الناس على اختلاف مشاربهم ودياناتهم وأفكارهم أن يناضلوا جنبا الى جنب من أجل الحقوق المشروعة والقيم المشتركة. يحدث هذا بشكل منتظم لكن ليس بصورة مطلقة لأن الإختلاف أمر وارد . العالم من منظورنا ليس مكانا يتفق فيه الجميع. يخبرنا القرآن عن وجود أديان وسبل مختلفة في الحياة . ربما نعتقد بأن طريقتنا في الحياة هي الأفضل والأمثل لكن هل يعني ذلك بأنها الطريقة الوحيدة؟ في مقياس الجودة ، هناك درجات متعددة. مثلا يمكن لطالب أن يحصل على درجة "أ" أو "ب" ، معدل" ب" ليس بالسيئ على الإطلاق !!

المُلحد:ماهو مفهوم مصطلح التقدم ؟

الإمام: نعتقد اليوم أن العالمَ أَو المجتمعَ يَتقدّمانِ للأمام. اليوم، العالم يَتغيّرُ بدون هدف. التقدم الحقيقي يَعْني التطور نحو الإتجاه الإيجابي والأخلاقي. إذا قارنا حالة العالم اليوم بالوضعية قبل خمسين عاما ، هل هناك سلبيات أقل ؟ لا أعتقد ذلك. الحالة هي أسوأ عن ما كانت عليه في الماضي بالنسبة للعديد من الناس. بالتالي لايمكن أن نطلق تسمية التقدم على مانشهده اليوم . هَلْ حقاً تحسنت حياة 6 بليون شخص على الأرضِ؟ هل قلت نسب القتل والمرض والفقر؟ تلك هي المعايير الحقيقية لقياس التقدم ...

المُلحد:بالنسبة لعامة الناس التقدم يكمن في إمتلاك الأشياء....

الإمام: يستهلكون ويجدون اللذة في الإمتلاك ....

المُلحد:....هل تمتلك سيارة؟

الإمام:نعم ، طبعا !

المُلحد:إذن فأنت تساهم في التقدم بتلويث الكرة الأرضية ؟

الإمام:لقد غيرت سيارتي ذات الأسطوانات الثمانية الى ستة ثم الى سيارة ذات خمس أسطوانات . إذن حققت تقدما !!

أحيانا الضرورات تبيح المحظورات. نظام المواصلات بدنفر ليس جيدا. لن تجد محطة مترو على بعد مسافة قصيرة من المشي .

تظل قدراتنا كأفراد محدودة لأن أغلب القرارات يتم اتخاذها من قبل المجتمع . هناك نوع من النفاق داخل أنفسنا جميعا ...هناك تناقض ... فقد نؤمن ببيئة صحية وفي الوقت ذاته نساهم في التلوث لأننا جزء من المجتمع الذي بدوره يعد ملوثا أكبر . في الواقع ، النفس البشرية تشمل الخبيث والطيب ، الجانب السلبي والإيجابي على حد السواء. لسنا معصومين ، إنك تعلم ذلك .....فيما يخصني سأحاول اتخاذ قرار بهذا الشأن. قد لا أكون انسانا كاملا ومثاليا لكنني سأحاول قدر المستطاع. ربما لوكنت وليا صالحا لتنازلت عن كل ماديات الحياة . الواقع أنني أحاول أن أزكي نفسي من أجل عائلتي وشخصي وأن أحدث أقل مايمكن من الضرر للناس وللبيئة المحيطة بي ….

المُلحد:كَانَ ذلك هو سؤالَي الأخير. في نهايةِ مقابلتِنا، أوَدّ أَنْ أُشيرَالى أنّني لو كُنْتُ أنتمي لمذهب اللا أدَريين،لربما اقتنعت بحججِكَ. فأنت مقنع جداً، لقد كُنْتَ محقا في كُلّ شيءِ قُلتَه لَكنِّي ما زِلتُ لا أَستطيعُ أن أستوعب مفهوم الله.

الإمام: أَنا سعيد لِكوني مسلما وأعتقد أنك مسرور كونك ملحدا.

المُلحد:أوَدُّ أَنْ أشكرك جزيل الشكر على وقتِك الثمين الذي قضيته للإجابة عن أسئلتي .

الإمام: أهلا وسهلا بكم والمسجد مفتوح أمامكم للإجابة على أي سؤال لديكم في المستقبل .
http://forum.na7nu.com/viewtopic.php?t=13692&sid=f5da04f0b3b759ed435ed37348a33dec

ليست هناك تعليقات:

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

جميع الحقوق محفوظة لــ العقل والعلم فى حوار الالحاد 2018 ©